الجمعة، 10 مايو 2013

بين جدران فلسطين ...[ قلب منسي 13 ]♥♥





من : خلف قضبان الايادي

باطراف اصابعي و بإطراف قلبي , مررت عيني الى خارج الثقب في الجدار رأيت شيء لا يشبه أي وطن , أرض جرداء تلفها السماء بتململ و كأنها مجبرة  لا حبا لها , تأسفت على عيناي اللتان لم تريا وطني منذ زمن , شعرت بان تعويذة الاحتلال طغت عليهما  حتى انهما لم يستطيعا رؤية أي شيء سوى الجلاد و سوطه المذبوج .
دماء تلك التي تسيل من جبهتي و من فمي و من ظهري , لم اعد اشعر بألم نزفهمها , فقط ألمي و أقسم أنه ألمي الوحيد , ابتعادي عن وطن كنت استيقظ على فجره , ازعم ان النهار يبدأ من وطني مستئذنا ليمر على الكون ثم يعود الليل و يتأسف منه مطأطأ رأسه لانه سيغلق الستار و بانانيته المعهودة سوف ينظر لوطني وحده و يمنع الكون من ان يراه .
علمت أنني سانجب طفلا عمّا قريب ربما بعد أيام أو أقل  لكني خبأت الأمر و قاومت من اجله , إنه طفلي الأول لا استطيع ان اهدره كما اهدروا العرب من قبل أقصاي , حاربت من اجله , كنت أتلوى لاتلقى الجلد على ظهري , أحاول ولو قليلا ان امنع الايدي ان تطول بطني , رحمي , طفلي ذاك النطفة التي تكبر داخلي و يكبر معها تمسك أكبر بالأرض , نمت ليلا و انا اهمس لطفلي باكية : [ انا معك حبيبي , لن اتركك , ستخرج يوما و انت تعلم ان هذه الارض مهزلة , ستدفع عمرك لغاية واحدة , و تموت من اجلها , فقط اخرج ] , لا أخفي أني كنت اشعر بشيء من الطمأنينة لأنني لست وحدي هنا , إنه معي , رغم انه مخفي يتوارى خلف الانظار الا انه هنا .
فجأة سمعت دقات قفل الباب و هي تفتح هذه المرة الوحيدة التي خفت بها ليس لاني خائفة منهم , بل لاني اخاف على طفلي من صوت تألمي , لا أريده أن يخرج ضعيفا , اقتربت مني السجانة و مسكت كتفي و قالت بلغة يصعب ترجمتها اثناء الارتجاف : تعالي ورائي , المحقق يريدك .
مشيت بهدوء دون أن أنطق بالكثير , مسكت بطني احاول بيدي ان اخفي طفلي رغم انه غير ظاهر  , لكني اشعر بان الجميع يرونه , و يريدون ان يأخذوه مني , مشيت بذاك الممر المظلم و انا اسمع صوت آهات من الابواب التي أمر عليها , كنت اتمنى لو ان ظهري غير مقوس من الألم لكي ازحف الى كل قلب اسيرة خلف الابواب و اطمئنه .
دخلت الغرفة و كان بها رائحة من سجائر اعتدت ان تطفئ على جسدي , اقشعر بدني من الذكرى , لكني بقيت امشي مرفوعة الراس و بقوة ظاهرة ككبرياء عاشقة امام عيون حبيبها , كان هنالك ظل استطعت بحدسي الأسير أن اعلم بوجوده , جلست و كأني انا التي مدعوة على عشاء بمطعم راقٍ , جلس امامي على الطاولة المهترئة , تلك الطاولة التي شهدت خوف و صفقات خائنة و حتى قمة الأنفة و العزة العربية .
قال بصوته الجهوري المائل الى لهجة من بلد عربي قريب : أهلا احلام , كيف حالك اليوم ؟
قلت بنبرتي الكبريائية : بافضل حال , هل أوصلت سلامي الى وطني فلسطين كما طلبت منك المرة الماضية و انا عند الباب ؟
قال و كانه قد ارتبك من تداخل كلمة وطني و فلسطين بنفس الجملة : اه , لا اذكر , لقد طلبت مجيئك الى هنا لسبب واحد و بسيط , لقد قررنا أن نفرج عنك .
قلت كمن اعتاد على الامر و فهم ما الهدف وراء الكلام : المطلوب؟
قال بجدية : ان تكوني عميلة .
قلت و انا اقف : ألم أقل لك أن توصل سلامي الى وطني فلسطين  ؟ هذه المرة قل له ابنتك احلام لن تخونك , سترفع رأسك عاليا و إن لم ترفعه بافعالها , فجسدها بعد موتها سيرفعك الى السماء .
قال بإستهزاء : متى آخر مرة رايتي بها زوجك ؟
هنا قلبي ارتجف بل و كدت ان اقع من الصدمة , قلت و انا اتمنى لو ان نبرتي لا تفضحني : قبل قليل كان معي , حتى انه الان معي , عيناك لا تراه ايها الجاهل .
كنت اعلم ان شتمي له سيؤلمني فيما بعد , لكنه وضع على جرحي ملح و قال اسم زوجي بهذه الجلسة الدونية , هو الذي بدأ بنهايته .
قال : تابعي الاخبار عزيزتي , ستجدي اسمه كنبأ عاجل بالقنوات التلفازية .
قلت : لانه شريف و لانه اعلى من ان يكون مثلك , ستتشرف القنوات التلفازية بأن تعرض اسمه , اما انت فستموت و تتعفن و لن يتذكرك حتى حثالتك التي تدعمك .
أدار بوجهه بعيدا و تجهم , اخرجتني السجانة دون اي كلمات .
كان قلبي يكاد يقف بل انه قد وقف في لحظات , عندما اغلقت السجانة الباب خلفها , هرولت الى الارض و جلست ابكي و انتحب , ابكي حظي , و ابكي حياتي , كنت اشهق من الصمود , لم اتعرف على انوثتي منذ وقت طويل , كنت فقط استرجعها بذكرياتي مع زوجي , كان عشقي الابدي , كان رجلا فلسطيني ذا مبدأ , إنه ذاك الرجل الذي يفرح لان زوجته لم تضعف امام الأسر , كان ذاك الرجل الذي وقف ساعات بين المحكمة و مركز الشرطة و الاعلام و كل ذاك فقط ليحررني .
كان يزورني ليعلمني فقط انه يحبني و يطمئن على حبه في قلبي , لم يكن يشعرني انني وحدي , كان دائما بجانبي حتى عندما لا تراه عيني , من قال ان الحب بالاعين ؟ انها القلوب التي تعشق فقط .
مسكت بطني الذي اشعر الان انه كبير  ,  داريت ما فيه عن الاعين خشية ان يجهضوه رغما عني , علمت انني بشهري التاسع من خلال تلك العصي المرسومة على الحائط بجانب رأسي , جميع السجناء على الارض يحفرون العصي للدلالة على ايامهم في السجن أمّا انا فكنت أحسب أيام خروجي منه منذ علمت نبأ حملي , حيث أني منذ أن سقط طفلي في احشائي من السماء و انا محررة , لكني نسيت باشهري الاخيرة ان احفر العصي فقد كان الضرب و التحقيق أكثر ما يكون خلال اشهري الماضية , استغربت من طفلي و انا اتخيله يقول لي كل يوم : [ امي لا تقلقي فإن كان جسدك الأنوثي سيحتمل ضربهم فأنا يا امي طفل فلسطيني ولدت لكي اتشبث بالحياة أنا لن اموت بسبب ضربهم أنا سأموت حينما اقرر أن اموت فقط لأجل فلسطين ] اطفالنا نحن الفلسطينيات مختلفون , يولدون و في اعيننهم غضب , يكبرون و في اعينهم غضب , حتى يتفجر الغضب يوما و يموتوا على التراب كهيئة غضب .
في الصباح ,و أي صباح قد نمته انا ؟! كنت اجلس وحيدة في الساحة خارج الزنزانة , اتابع بعيني التلفاز , و امسك بطني جيدا كمن يتوسل من الكون ان ينتهي قبل ان يتحقق ما قاله ذاك الشيطاني, كنت اشعر بتعب عميق في جسدي , كما لو ان هلاك الارض يقبع بين شراييني , شكرت ربي ان لي بنية جسمية هزيلة , بحيث انني حامل  و لم يلحظ احد بطني الكبير .
فجاة ارتمى اسمه على الشاشة , و رأيت جثته كاشلاء لا اكثر , اقشعر بدني , و خنقتني دمعة لم تستطع النزول , بكيت بقلبي و لم تنزل دمعة واحدة , صرخت فجأة و تقطعت الاوصال داخلي , لا اعلم هل سألد الان ؟
اجتمعت السجانات حولي و بعض الاسيرات , كنت احاول ان اسكت صرخاتي لكني ما استطعت كانت حنجرتي تتأوه رغما عني, بسرعة طلبن من بعض الرجال الذين يعملون في السجن أن يحملوني الى داخل غرفة .
أتت طبيبة مسرعة و انا لا ارى سوى خيالات و لا اسمع سوى تمتمات , كنت ادعو ربي بقلبي ان يرحم زوجي و يتقبله عنده شهيد و ان يحمي طفلي و يحفظه , ظللت اردد دعائي حتى اغلقت عيناي مرغمة .
فتحتهما و انا لا اشعر بجسدي من التعب , كنت منهكة الى ابعد حد , رأيت نفسي لم اخرج من الغرفة في السجن , لم اكن اتوقع ان يذهبوني الى مستشفى خمس نجوم لكن ليس الى درجة ان يحذفوا كلمة مستشفى .
دخل بعد فترة زمنية قصيرة ذاك المحقق متفاخرا و قال : كنتي ذكية جدا , اسيرة ذكية , استطعت ان تخبأي على الجميع نبأ حملك , و استطعتي ان تمثلي الكبرياء امامي و ترفضي عرضي عليكي , انا الان لن اريحك بأن اقول ان طفلك قد قتلته و لن اقول انني اعطيته لعائلتك , ساجعلك تعيشين على حسرة طفلك و زوجك المرحوم .
قلت و برغم الالم الذي يتملكني من كلماته , لكني كنت اعلم سابقا بان هذه ستكون نهاية طفلي و لطالما تحضرت لهذه اللحظة لكنني لم اتخيل بتاتا انها بذاك الالم , اردت ان اكمل كبريائي و هذه المسرحية الى اخر قطرة فقلت : يا لك من مغفل ! حتى لو علمته اليهودية حرفا بحرف و حتى لو جعلته يكره العروبة و الاسلام , فوالله ثم والله إنه سيكون من يقتلع فؤادك بيديه , لان حق العرب بفلسطين ليس حق تحفظه لان اجدادك رددوه , انه حق سطره التاريخ و يشهد عليه العالم اجمع حتى لو صمتوا ,
 قل موتوا بغيظكم !

بقلم :
شذى البشتاوي

هناك تعليق واحد:

  1. مآ شاء الله عليكِ ... رائعه =)

    تملكين من الخيال مآ قد ينسج الحقيقة ..

    ردحذف