السبت، 8 يونيو 2013

أحلم أن تعود ....[ قلب منسي 14] ♥♥♥


من : يتيم بفقد أبدي 

لففت للمرة الأخيرة في هذه الليلة على غرفهم , نأكدت أن الآلة الموسيقية تعمل فوق راس ابني , و ان لعبة ابنتي ما تزال بجانبها لم تقع . توجهت بقدماي المتورمتان الى المطبخ تناولت كأس و انزلته تحت الصنبور ليمتلئ بالماء, جال بخاطري منظرها و هي تملئه لي بيديها الملونة بالحناء , لم افقد الصبر ابدا بتتبع خطوط الحناء الى نهايتها , و دوما كنت اصل الى انحناءة باخرها نقط خفيفة , و هي تكاد تستهزء بي , لن تعرف نهايتي ابدا , و حتى بدايتي , انا الان امتلك يدها , انظر لي عند مفاصلها , بالقرب من اظافرها ,احيط رسغها دون ان ادع لك مجال لتحضنه, حتى انها خافت علي برهة من الوقت حتى جففت , امتلكت اهتمامها ولو لبرهة .
استيقظت من سباتي و انا استشعر بالماء يتسلل الى يدي , اغلقت الصنبور بسرعة , و شربت الماء , نظرت الى بيتي الذي اصبح خاليا منها , هي التي ما فارقتني منذ 15 سنة , كنا عاشقين بالسر قبل زواجنا , و عندما اخترقت حاسوبها و جعلت كل الملفات التي عليه مكتوب بها [ هل تتزوجيني ؟ ] حتى الصور و كل المواقع التي ستقتحها لا تفتح , بل يتغير الرابط الى صفحة إلكترونية  مكتوب عليها [ هل تتزوجيني ] و صورة خاتم صغير بجانبه . حتى تم الزواج و انجبنا طفلين ربيناهما بنفس الجنون الذي عشقنا به بعضنا البعض .

بالنسبة لي لم يكن أكبر مخاوفي هو تغيير حفاض ابني أو حتى كيف ساحمل ابنتي , المشكلة التي تغزوني هي كيف سأكون اب و أم بنفس الوقت ؟, بم سأجيب أطفالي لو سألوني يوما أين أمي ؟ . كلما اشرقت الشمس كنت اخاف من هذا السؤال الى ان اراهم نائمين , ويعود الخوف كل يوم , كاذب من قال أننا نعتاد على الفقد , إننا إن فقدنا يوما نصبح يتامى الفقد للأبد .
خرجت مسرعا من المطبخ و أنا احاول الهرب من ذكرياتي التي تفيض بهذا المكان , فهنا قد أكلنا باول يوم لنا كمتزوجين , و هنا أول أكلة تناولتها من يديها , استغربت بذلك اليوم كيف انها كانت ماهرة بالطبخ الى حد يجعلك تقترب من الموت من كثرة الاكل , و هنا  عندما تشاجرنا و ارتفعت اصواتنا حتى ادارت ظهرها عني و سمعت صوت شهقاتها و حتى اني سمعت صوت سقوط دمعاتها , لم اكن اقصد حبيبتي والله لم أكن أقصد , لكني حضنتها بسرعة و همست لها : [ احبك , حتى لو تشاجرنا احبك , سابقى ها هنا بجانبك ] 
الان و انا اتذكر ما حدث يتمزق قلبي و يكاد ينفطر , أنا الذي انزلت دمعاتها يوما , ترى هل هي الان قد سامحتني ؟
جلست على سريرنا و انا المس قلبي حتى لا يبكي , قد بكيت طويلا و لم تعد , يجب ان اعود الى قوتي من اجلهم . اغمضت عيناي و عندما فتحتهما كنت اريد ان انساها لبعض الوقت , حتى اعود الى نفسي يجب ان انساها .
نظرت على يميني فوجدت التقويم بجانبي , سحبت منه ورقة , حتى تفاجأت بالورقة الثانية مكتوب عليها : [ اليوم ليس به شيء مميز حدث معنا , او على الاقل ليس مدون في مذكراتي شيء عنه , ربما من فرط السعادة التي حظيناها بهذا اليوم نسيت ان اكتب عنه , حبيبي دعنا اليوم ننسى انفسنا من فرط السعادة , اسحب هذه الورقة كعادتك في الصباح و عندما تأتي مساءا فإني قد حضرت لك ليلة رائعة بها انا و انت و طفلتنا الصغيرة في بطني ] 
تاكدت حينها انها حولي , هي هنا هي هناك , كانت من عادتها ان تكتب كل التواريخ المهمة في علاقتنا على التقويم لانها تعلم انني انسى ليس كرها لها او تقليلا بحبها , فقط لانني انسى كثيرا , و كنت من عادتي ان اسحب الورقة كل صباح حتى لا انسى اهمية اليوم , ايتها الروح الشرقية التي اكتب اليها , لعلك قد تغيري من قصتي لتجعليها تليق بقراء من طبقة راقية , لكنني على يقين ان الفقد يجعلنا متساوون , كلنا نبكي ليلا لفراق و كلنا نتمنى من قلبنا و بشدة ان يعودوا , انني اكتب رسالتي هذه و انا اذرف دمعا , انا اعلن انني رجلا لم يحتمل فقد امراة , انني ابكيها ليلا نهارا , لا يواسيني ان لها قلبا ينبض , و لا ان هنالك أمل بان تعود , انني فقدتها , بذاك اليأس الذي تكنه الارض لأن تعانق السماء , بيأس لحنا يُنَشّز أن يطرب أذنا ما .
كانت ليلتي كهلاك بل انها هلاك ككل ليلة , لم احتمل , خرجت مسرعا من شقتي الى المستشفى , حملت معي طفلي الصغير و طفلتي اللذان ما يزالا يرتديان ثياب النوم , لأول مرة ساصطحبهم الى أمهم و هي في هذه الحالة .
كان شيء بداخلي يدعوني أن أخذهم اليها , كانت صورتها تزورني في أحلامي من أيام , و هي ترتدي ثياب بيضاء بلا ملامح و تقول لي : حبيبي لا توقف القدر , امضي امضي امضي . و كانت تردد هذه الكلمات حتى تختفي و استيقظ فجأة .
لكثرة زياراتي المتتالية للمستشفى بات دخولي غير المصرح به شيء اعتياديا , حتى طفلاي لم يتأففا ولو لثانية, تعجبت كثيرا لكني مضيت . 
شيء من الرعب تسلل بداخلي كلما خطوت باتجاه غرفتها , كنت اتنفس الغيظ اشهق التعب و ازفر أنين , وصلت اليها كانت كعادتها ملائكية حتى بموتها الصغير , صوت قلبها كان يملئ الحجرة حتى انني ما استطعت ان اسمع بكاء طفلي , كنت مدهوشا لا استطيع الحراك , حتى مسكت طفلتي  اخاها و اسكتته , عندما عدت من غيبوبتي نظرت اليها و هي تحمل اخاها ابتسمت , قلت في نفسي إنها طفلة حنونة لا تستحق أن تضيع طفولتها و ان تضيع لحظة بكاءها  لتسكت اخاها , حملته عنها و أرحتها على الكنبة المجاورة لسرير زوجتي , لكنها أبت ان تتمدد , و ظلت واقفة ممسكة بيد زوجتي و هي تدندن لها بأغنية كانت دوما تغنيها لها زوجتي .
حتى طفلي سكت و أراد أن يجلس على طرف السرير و عندما اجلسته كانما كان بنار و ادخلته للجنة , أراح رأسه على بطنها و بدأ يلعق بإبهامه , حتى نام , كنت ما ازال مصدوما من اطفالي , شعرت بشيء من حضورها هنا , شعرت بانها قد عادت , امسكت يدها , و انا اخبرها بليلتي لكن همسا حتى لا انشز على النغم الرائع الذي تغنيه ابنتي .
أرحت راسي ايضا على طرف سريرها و أغمضت عيناي , شعرت بامان كبير , كأنني طيار حربي خاض حروبا كثيرة و لأول مرة تقع قدمه على الارض , على الوطن الذي اغترب منه سنينا طويلة .

حلمت بها هذه الليلة و هي تلبس نفس البياض الذي تلبسه كل ليلة  , لكنها الان تبدو مبتسمة جدا , انها تدندن بنفس نغم ابنتي و تحضن ابني بيديها بتملك امومي , قالت لي : [ لا تخف عزيزي انني عائدة لقدرك..لم تنتهي قصتي الى الان ... انت و طفلاي اعدتموها الى الابجديات .. انتظرني ... فالليلة نسينا انفسنا و كل ما مضى لفرط سعادتنا .] و راحت تردد كثيرا بهمس [ سأعود .. سأعود ].


بقلم :
روح شرقية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق