من : عاشق سقيم
أغلقت عيني , فتسلل الارهاق الذي بداخلي كوحش يمارس طقوسه الوثنية في داخل اللون الاسود الذي لا أرى سواه .
كلما سار الليل سريعا ليزور عشيقته المختفية تحت الظلال , أذكرك , كلما لامس فؤادي بضع نوتات من ألم من حب من فرح من أي شيء تلاحق قلبه نبضة مسروقة من ميت أصبحت عظامه رمادا بحريق لم ينجح عاشقي الارض بإطفائه , أذكرك , لأن بذكراك عزائي الوحيد الذي يخلع عني ثوب الحداد على حب كان ليدفعك الى الجنون الى التظاهر بالغباء فقط لتكوني بجانبي حينما أغمض عيناي ليلا , و حينما أفتحهما صباحاً .
رؤيتك صباحاً تخرجين متمايلة بأنوثة مُجبَرَةً أن تظهر , فأنتي يا شعبي الوحيد لا تحتاجي أن تكوني من سلالة كليوباترا أو شجرة الدر , أنتي سلالة لم تنجبها رحم أم وحيدة , أنتي الأنوثة إذا أعلنت أن وريثتها الوحيدة من سمائها السابعة نزلت الى الارض , بجناجين من ملائكة و آلهة تنزلها كمقدسة من السماء .
ألمح عيناك و ألمح خطوط يداك العمياء التي ما انحنت لعرافة أو لمجرد الامساك بالاشياء , تلك التي استعملتها السماء ليلا لكتابة أقدار البائسين من الأنام .
ذاك الحب حبك سيدتي يتملكني , يجلعني أبدو امام جلالة نفسي أبله تعلق بحب عذراء , يجعلني أذهب اليكي أحمل اوراقي طالبا توقيع او اثنين , و في قلبي خاتم اركع امام عينيك , أجثو على ركبتي أطلب أن ترافقيني رحلتي في الارض و رحلتي الى السماء . لكن دائما هناك سلاسل بقلبي هناك أبنية ترفض أن تُهدم , و سخرية حضارة تقول لي إنها تكبرك يا هذا إنها تلف حول رقبتها شال طاهر فلا تدنسه و تجلب لها عار بان تتملكها , إنها حرة , إنها كطائر سلام بلا أي عش يحكمها .
و لكن ما بقلبي , ذاك القلب الذي ما عرفته يوما حتى رأيتك , و رأيت أن تشقق النور من عينيك عندما تبتسمين كما في ابتسامتي , رأيت أن لي بضع منك في قلبي و في أفعالي , رايتك كيف تمدين شفتاكي حينما تتحمسين و كيف تغلقي عينيك بقوة عندما تغضبين رايت كيف تمررين إبهامك على كل اصابعك عندما تتوترين , و كأنك يا دعائي الوحيد لستي سوى إحدى الاربعين شبيه مني .
إتخذت يوماً قرارا بعد مشاورة جدران مكتبي و أنا انظر اليكي , أنا الذي ما عرفتيني , أنا رجل شرقي , أنا من سلالات عبرت الجبال و المحيطات ألا يمكنني أن اعبر قلب امرأة الى شاطئ بعيد عن الاعين أحظى فيه بها و ببعض السلام ?!
تمردت , تلاعبت ببعض الالفاظ , و قررت أن أقيم حفلا بأقنعة , و أدعوك إليه , و كما ظننت رددت على دعوتي بإبتسامة و بهزة خفيفة اظهرت ثنيات عنقك و كم صَعُبَ عليّ التنفس و أنا أراقب ما تفعلين !
إحترت أي قناع يجب أن تريني به , قررت أن أكون بلا أي قناع , كي لا تحتاري بوجهي , كي تعرفيني و تهرولي الي كعاشقة نست كل الاسماء و تذكرت ان هناك حضن ما زال مفتوح اليها , ما زال وطنا تستنشق به شذى الايام الخوالي .
و لكني أنا من احترت بك , من انتي وسط كل الاقنعة ؟, تلاعبت بالوجوه ثم تلاعبت بي , بدأت أبحث عنك كطفل نسي فرضه المدرسي و أصبح يؤلف بضع كلمات , مع موسيقى الكمان الهادئة و تمتمات الحاضرين شعرت انّي بسجن تتواجدي به و لكنك ظل لا اكثر , أغمضت عيناي و كل الوحشة التي تتملكني تسللت كالوحش الى عيناي وحش يمارس طقوسه الوثنية ثانية , و بنفحة من ذكاء غادرني مذ أحببتك تذكرت أنك شبيهتي , فرحت استجمع قوتي أصارع خيالات و عرفتك بنظرة واحدة , شككت حينها أنّ حبك كان حب نظرة اولى , عرفتك من قناعك فانتي انا ,أحب ما تحبين و تكرهي ما اكره , قناعك أبيض لا يغطي سوى نصف وجهك متلألئ و ابتسامتك و صوت كلماتك الذي كانا كدواء من داء عضال تملكني دهرا و الان شفيت .
اقتربت منك رويدا رويدا , و كأنني احترم كون الآلهة انزلتك مقدسة الى الارض , شعرت انّ كل خطوة بمثابة جرم ارتكبه , رأيت نفسي مجرم يتوسل العفو امامك , لكني أعدمت . حينما أصبح وجهي أمام وجهك و كان يجب علي ان أنطق , خانتني الكلمات لم اعرف ماذا أنطق, انا الذي نظّم في حضرتك قصائد و احلام و نسج خيوطا من احرف , لم اعرف ماذا اقول !
فمسكت يديك كمجرم حقيقي و راقصتك دون ان تنبسي ببنت شفتة , توقعت منك أن تنسلّي خنجرك و تقتلعي به قلبي و لكنك لم تفعلي , توقعت أن تضيعي وقارك المعهود لتؤدبيني و لكنك لم تفعلي , فقط راقصتني متجنبة النظر الى عيناي .
ذاك المساء إحتفلت نجومي , و احتفل كل شبر من جسدي فقد لامسك , قد كنتي بجانبي لفترة اظنها ستوقف قلبي عن الخفقان , ثم ودعتني بلباقتك المعهودة و كأن الوقار و الأنفة قد عادت اليكي .
و رحلت .
لم أعرف أين و متى استطعت ان تجمعي كل حروفي المهداة اليكي و كل قدسيتك عن الارض و سافرت الى السماء , و كأن الآلهة انزعجت كوني لامستك , و كأنك لم تكوني مجرد مقدسة بل كنتي آلهة محرمة على العباد الناسكين .
الى الآن ما زال هناك ضجيج يتملكني بغيابك , و هناك حفرة عميقة داخل وجداني يهوي بها من حاول المساس بقلبي , اظنك حفرتيها بنفسك , اظنك أحببتني كما أحببتك و لكن وقارك لم يسمح لك أن تضحي بسنين عمرك التي أفنيتها وراء حلمك , لم تسمحي لما سكن بين ضلوعك ان يعطيني فرصة كي أسكنه .
فرحلتي .
فلترقد روحك بسلام أينما كنت يا أيتها العابرة في القلوب
بقلم :
روح شرقية