الجمعة، 19 أبريل 2013

الاختباء تحت الجلد [ قلب منسي 11] ....♥♥♥





من : لعنة بأزقة مدينة

خمس دقائق بعد , تلك كانت كلماتي التي توهمتها داخل عقلي و انا أنظر الى قطعة الشوكولاتة خلف الزجاج في محل تنساب من رائحته القهوة و حبوب الكاكاو , و أنا ما زلت أنظر و أمعن في التحديق , سمعت همسا و كأنه حفيف رياح داخل جوفي يردد : [ لا تقلقي ساعطيك منه الان ] , ضحكت قليلا و خفت , لان ذلك الهمس الجوفي ليس ما اعتدت ان اسمعه داخلي و له نبرة مختلفة عن نبرة نفسي , صمت قليلا و تناسيت ذلك الامر , لعل منظر الشوكولاتة يذيب العقل و يغير بالنوتات , فيفعل المنظر  ما يفعله الطعم الذيذ تماما.
مشيت مبتعدة عن المحل بعد ان نبهني ضميري و نظرات البائع داخل المحل , بأن الخمس دقائق قد انتهت و أني يجب ان انصرف الان , رحت اتجول في زقاق المدينة التي امامي , امشي دونما هدي , و كأن خريطة الكون تقبع في فطرتي و بين عيني , لا اريد ان امسك بورق بين يدي و عيناي تمشي على الورقة و تتبعها قدماي .
احيانا ان تكون حر لدرجة ان تمشي بلا أي تفكير بأين ستذهب و لا متى يجب ان تعود و لا تتحسر على صحتك التي قد تتدهور من المشي , هو اقصى درجات الحرية , و امتع النشوات التي قد تصيبنا .
فجأة و انا أمشي و اداري طرف ثوبي المثقوب , و اذ بشخص يركض فيدفعني الى الجدار بقوة , يسقط منه كيس ذهبي و ينظر الي , يشير بيده الى الكيس و الي , كما لو انه يقول بلا صوت بلا كلمات : انه لك . ثم تابع ركضه , تفاجأت منه و من الكيس و من الجدار , لم اتحرك لبضعة ثواني حتى التقطت انفاسي بعد هذه الصدمة , انحنيت قليلا و التقطت الكيس المذهب , كان كيسا بني اللون و عليه خرز ذهبي  و كأنه ماس يلمع , فككت الخيوط المترابطة في اعلاه و فتحته , كان بداخله قطعة ملفوفة يقماش ذهبي صافي , مسكتها و بدأت افتح القماش رويدا رويدا , و انا خائفة , كنت اشعر بان هنالك ضفدع سيقفز في وجهي و انا لطالما كنت اخاف من الضفادع و كل الحشرات , بنفس اللحظة كنت اتمنى لو ان بداخلها جني مثل جني علاء الدين , يخرج مع غبار و سحب كثيفة و يقول لي : [ شبيك لبيك , أنا بين يديك ] كنت ساطلب منه كل الورود على الارض  و كل الشوكولاتة على الارض و كنت ساطلب ايضا بيتا بباب زجاجي و جدران زجاجية , و رجل في الليل اسند راسي على كتفه و انا مطمئنة و هو يحيطني بين ذراعيه بتملك , و يهمس لي بكلام كان ينطقه قباني لبلقيس أو تلك الهمسات التي كان يقولها قيسا لليلى .
فجأة وجدت نفسي و انا امسك بين يدي المصفرتان  قطعة شوكولاتة طويلة , بنفس لون الشوكولاتة التي كنت اشتهيها من بعيد بذاك المحل و حتى بنفس تنفسات صانعها , قطع البندق التي كانت خارجة من سطح الشوكولاتة هي نفسها بنفس المكان و نفس العدد .
تعجبت بل و صدمت , كنت افتح فمي بذهول , رغم اني لا اعلم لم فتحته الان , هل لاني اريد ان اتذوق رائحة الشوكولاتة؟ و ان لا تضيع علي حتى رائحتها؟ , او لاني اريد ان ادرب فمي على ان يفتح استعداد للطعام بعد ان كان يتسرب الى شفاهه و لعابه جهل الهضم و جهل التذوق؟ , ام اني فقط كنت انصدم بل و انذهل من المصادفات ؟.
لا ادري كيف اكملت مسيري , و انا في داخلي صوت يردد مرة اخرى : [ كيف طعمها ؟ ] , كنت اعلم ان الصوت هو الذي جلب قطعة الشوكولاتة . اذكر اني ذات مرة بينما كان مسيري في احدى المدن المتطورة و اذ بي امام [ سينما في الشارع ] تابعت الفيلم و انا اتخيل جميع الارض بيتي و هذه المدينة ليست سوى اريكتي , بل و اريكة رثة , رأيت بذاك الفيلم كيف انه كان هنالك شخصا يتبع البطل لكن الشخص لم يكن يحدثه عبر الروح , فقط كان يستعمل الهاتف المحمول .
وجدت نفسي دون وعي و انا ارد على ذلك الصوت : لذيذة جدا ,, من انت ؟ , كنت اسمع صدى صوتي بشكل مبالغ به داخل جوفي , هذه المرة لم اكن اعلم اين انا و لا اين ساذهب و لا حتى ما امامي ؟ كنت كمن يركز على نفسه , كمن قلبت عيناه الى داخله المشوق , ربما كنت ساُدهس او سأضرب بعربة طفل امامي , من يدري , انا بنفسي لا ادري !
اجاب بلا صوت : ليس السؤال من انا , بل اين انا ! , تعجبت من ذاك الساكن داخلي ,لا يبدو انه  يعرف جوانب مسكنه و لا ترتيبات البلاهة داخلي , انا امرأة لا تعرف ترتيب الكلمات و لا تعرف النقش بالاحرف على الاجساد , يتحدث معي بشيء من الفلسفة , التي حتى لم اعرف كيف انطق اسمها حتى فترة ليست ببعيدة .
اجبته و كأني اعتدته كزائر دائم بلا خوف : لا بد و انك حولي الان , اين انت ؟
قهقه داخلي بضحكة عالية كما لو انها تابعة للشيطان  , جعل اقدامي تتوقف عن المسير و جعل جسدي يتسمر بلا حركة و اكمل هو بلا صوت : اني بجانبك تماما , لا بد و انك نسيتني ! , حسنا توقف الان عن هذه المهزلة , اني قد اكون متعبة من كثرة المشي او من جوعي الكبير , اني بالتأكيد اهذي الان , او ربما احتضر .
لم اسمع صوت داخلي , لم اسمع رده , ظننتي اوضحت مدى تجاهلي له , و انه لا يخيفني , فقد رأيت ما هو ابشع منه طيلة سنين عمري  لكنه فاجأني و قال : حسنا ربما عليكي الان ان تلتفي الى اليمين , الاااااااااااااااان .
و صرخ عاليا داخلي باخر كلمة , فاهتز كياني , نظرت الى اليمين بسرعة و خطوت بدون اي ارادة مني كما لو ان هنالك قوة اجبرتني على التحرك . 
بعد لحظات بل و اقل , سقط بالمكان الذي كنت به قبل قليل صخرة كبيرة جدا كسرت الطريق الذي تحتها , لا ادري من اين اتت هذه الصخرة ! فالمدينة هنا صناعية , المباني التي حولي مغلقة من الاعلى باقواس ملونة , من اين أتت  ؟
لم اتمالك نفسي و صرخت : من انت ؟ , التفت جميع المارة لي و تاكدت اني قد جننت , فمشيت بهدوء بل هرولت .
رجع الصوت خفيفا داخلي : لا تسألي كثيرا , فالجهل نعمة .
غلى الغضب داخلي و بدأ يخرج من انفي و فمي بخار عنيف , بخار كبخار ابريق على النار , و قلت بعنف : اصمت , لا اريد ان اسمع صوتك , اخرج من راسي .
قال بهدوء : ستلعنين نفسك ان رحلت .
قلت بغير مبالاة : ارحل , ألم تجد غيري لتفسد يومه ! 
لم اجد رد , عاد داخلي فارغ , و اختفى الضجيج , عدت اسمع نفسي فقط , عدت اشعر بالامان و انا اكلم نفسي . 
جلست على كرسي بالشارع لالتقط انفاسي , اغلقت عيناي بشدة و كأني اريد محي ما حدث , فتحتهما بهدوء , و رفعت راسي , وضعت يدي على الكرسي و الاخرى على حضني , رفعت يدي لامسح وجهي , و اذ بي اجد قطعة ورق ملصقة بيدي دون اي اداة لاصقة , مكتوب عليها :
[ لا تلعني نفسك من اجلي , ساعود لك ]


الكاتبة :
روح شرقية \ شذى البشتاوي

الجمعة، 5 أبريل 2013

اخر ما كتبته الملائكة [ قلب منسي 10 ]




من : انا عندي حنين ما بعرف لمين

في هذا الكون شيء يدفعنا للصمت , يسلب منا بضع انتصارات و يجلس فوق قلوبنا كمختار على حارة صغيرة أعلن للنساء أن لا يغسلن الثياب الا يوم الثلاثاء مع حضور الماء من النبع . كل شيء كان منظم في عالمها حد الضجيج , حتى المسافة بين قدميها حينما تمشي كما لو ان الملائكة قاستها و لعنت اي أمر يزيد من المسافة  حتى لو  بضع سنتيمرات , غرفتها تلك التي تنبض بشيء من العبق القديم , رائحة الكلوروفلوركربون في الغرفة مع شيء من غبار الكتب , ملمس الاشياء في حضرتها دائما ناعم , حتى الاشواك لا تجرح و الحجر الكلسي يصبح رمادا .
كنت كلما أراها ببنطالها الاسود و قميصها الابيض الرسمي و شعرها المنثور على صدرها بإهمال , ألمح عينيها من وراء نظارتها و أحاول أن اقراهما , لطالما احتل لساني الصمت و ابكاني جبروتها المعتاد , لا أبكي دموع في حضرتها بل اشلاء من دماء .
في ليلة قطعت الشك باليقين و عاهدت نفسي أن اعرف ما سر هذه الفتاة الليلة , لا غدا لا بعد غد لا بعد أن امتلك الشجاعة الكافية بل الان و الان سأذهب .
كنت ارجف من الخوف و اعتقد الان انني لم اكن ارجف فقط من الخوف بل اشعاع جبروتها وصلني حتى من بعيد و اجتاح قلبي و أمرني ان اتراجع, لكن اللهيب الخفي في قلبي دفعني للامام دون أي اهتمام حتى لو تقطعت و اصبحت بلا وجود .
دققت الباب بشيء من الانوثة كنت بها اتوسل ربي ان يبعث مع ملائكته رحمة تخفف من قلبها الكبريائي لو حتى شيء قليل , فتحت الباب بهدوئها المعتاد الذي لطالما لاحظته من بعيد , كان كل شيء تمسكه يهدأ بين يديها , حتى الارض أكاد أقسم انها من تحتها تتحول الى سهول بلا أي مرتفعات او شيء خالف الاستواء فَعَلا .
تذكرت حينما كان هنالك بركة من ماء تحت قدماها وقعت بها بنفسي و تبلل بنطالي باكمله , كنت اعلم انها ستأتي بعد خمسة دقائق بالضبط فهي لا تتاخر مطلقا , و اردت ان ارى كيف ستمر من هنا , فهي  لا تنظر الى الارض حنيما تمشي. دائما عيناها بالسماء كما لو انها تامر السماء بان تحميها , كما لو انها تُحاط بغيوم و قطرات مطر , كما لو انها تعرف ان مكانها في السماء طير بلا حدود .
شعرت باني أطلت البقاء امام عتبة بيتها دون ان انطق بأي كلمة و عندما مر وقت قليل و لم اتكلم و لم تمر الرياح لتعلن ان هنالك حاجز بشري يمنعها من السير أغلقت الباب , استغربت بشدة من هذه الانسانة , أإلى هذه الدرجة ليس لديها فضول لتعرف من انا ؟ أغلقتها ببساطة لاني لم اتكلم ؟ حتى انها لم تسال من الطارق ؟ فقط نظرت الى جسدي و الى وجهي و الى كل شيء حولي ثم اغلقت الباب دون اي اهتمام اكثر من ذلك و اغلقت الباب , هممت بالمغادرة حينما ادرت بجسدي عن الباب , و وصلت الى قرابة اخر بيتها سمعت بضع الكلمات و الهمسات المتقطعة المنبعثة من نافذة بيتها , كان لا بد و ان اعرف شيء, لا يمكن ان تكون شجاعتي ضاعت هباءا مبثورا هكذا , لا بد و ان اتباهى بنفسي بشيء وحيد على الاقل امام نفسي .
اقتربت من النافذة و رأيتها تقلب صفحات كتاب بين يديها تقطعت اوصال عيني من فرط المفاجأة حينما رأيتها تقرأ على طريقة برل للمكفوفين , شعرت بأن تنفسي سيتوقف من المفاجأة بل من الصدمة , نزلت دمعة من عيناي و خرجت شهقة طفيفة من شفتاي , كنت اريد بل كنت اتمنى ان اجثو امام قدماها و اطلب منها السماح , اعتذر عن سوء ظني و اعتذر عن ذاك الغباء الذي اعتقدته , لقد اطلقت عليها صفات بعيدة عنها كثيرا , غمرني شعور بانني ظالمة , تابعت التنقل بعيناي المصدومتان على ارجاء الغرفة , و الصقت اذني بالنافذة فسمعت همسا شديدا بعدما اغلقت الكتاب الذي بين يديها .
سمعتها تنادي شخص ما و تبكي باسمه , ترجوه ان يعود اليها .
ثم فجأة نهضت و احاطت رقبتها البيضاء القاحلة بشال رمادي , خرجت من الغرفة ثم سمعت صوت الباب الذي كنت اقف امامه قبل قليل يفتح , و تخرج منه , قطفت وردة حمراء من قطعة ارض مزروعة على جانب منزلها ثم مضت , استغربت من انها لا تمسك بعصا و لا ترتدي نظارة سوداء و لا تضع اسورة تدل انها مكفوفة , تمشي بخطواتها المعتادة .
تابعتها و في نيتي امران , أولهما فضولي , و ثانيهما انسانيتي التي استيقظت لمساعدة تلك التي امامي في حال احتاجت لمساعدتي .
هذه الفتاة لا تتوقف عن جعلي اتفاجأ بكل تصرفاتها و بشخصيتها منذ اللحظة التي حاربت بها خوفي و اردت ان اتعرف عليها , فللمرة المليون تفاجأني , حيث انها توقفت امام باب المقبرة ثم نادت على الحارس بصوتها الانثوي العذب الذي اعتقد انه من احفاد فيروز تلك التي غنت [ انا عندي حنين ما بعرف لمين ] اتاها الحارس بابتسامة لطيفة ثم قادها دون ان يلمسها الى شاهد تملأه الورود الذابلة و بقايا ورق , لحقت بهما دون ان اشعرهما بوجودي , خفت كثيرا من المكان الذي انا فيه , لطالما كنت ارتعب من القبور و اصدق خرافات الارواح الشريرة , كنت اردد فلترقدي  ايتها الارواح بسلام , فلترقدي ايتها الارواح بسلام , حتى طمئنت قلبي بتصديق خائب .
رجع الحارس الى غرفته و جثت الفتاة على ركبتيها تفرد اوراق الورد الحمراء على القبر و تخرج بضعة اوراق من جيبها , اقتربت منها كي اسمع ما تقول , فقالت :

ها انا يا حبيبي قد جئتك كي امسي عليك في ليلة اخرى لست بها هنا , ها انا يا حبيبي اقطف لك من الارض التي وضعنا ترابها بايدينا و زرعنا بها الورود بايدينا , ها انا يا حبيبي اريك اوراق من الكتاب الذي الصقنا به صورنا و كتبنا تحته اعذب الغزل الذي لم يقراه جنس من البشر , ها انا يا حبيبي اجدد العهد معك حتى لو صرت رمادا , ها انا يا حبيبي اتذكر اخر مرة غازلتني بها عندما كنا بالسيارة بعدها اخذتنا شاحنة و قلبت سيارتنا فاودتك يا حبيبي ميتا و انا بلا عينين , ها انا يا حبيبي ألعن الحياة بدونك و يرفرف قلبي مرة اخرى كما كل المرات التي عشتها بعد ان علمت رحيلك الابدي .
ثم مسكت حفنة من تراب و ألقتها على القبر , انزلت رأسها على القبر و وضعت يداها عليه و بدأت تبكي بنواح طويل شعرت بكل شهقة تأخذها ان روحها تغادر جسدها .
ثم صرخت ...


فلترقد روحك بسلام يا حبيبي , و لترقد روحي بسلام بعدك .


الكاتبة :
روح شرقية

عاشقة بسجن مؤبد [ قلب منسي 9]




من : وفية لحب راحل بلا مأوى 

المرة الثالثة هذه يا سيدي التي اشرب بها القهوة المرة مع الملح , أردت أن اقنع نفسي أن الحياة بها ما هو أمر من الفقد , كانت الحياة بسوء كافٍ ليجعلني انام و انا اضع وسادة فوق رأسي لأمنع أي صوت شهقة يخرج فيفتضح أمري . كما لو أنني عاهرة تابت فخبأت أفعالها  عن الاعين, هل اعجبك النسيان الذي ذهبت اليه حتى امتنعت عن القدوم الى مدينتي ؟
عندما كنت املئ الاوراق باسمك و ازين اطرافها بقلوب حمراء تحيط باسمك , هل ظننتني غبية ؟ عندما كنت اجلس على مقعد القطار و احجز لك بجانبي , هل كنت تظنني ساذجة ؟ لا بد و أن راياتك تطلق الـ [ نعم] برجولة مهترئة .
يكفيني ايها الرجل أن ألمح كتفك الفارع بالسماء بطرف عيني حتى يتوقف الشوق قليلا و يحل محله الحنين الى وضع رأسي على صدرك و انام .أكاد أقسم أنك تظنني انسانة بلا قلب بأحشاء من فولاذ , لا استغرب إن ظننتني جبروت يمشي على الارض لكني امراءة بعاطفة , أقسم أن هنا بين ضلوعي قلب يحمل مشاعرا , يبتسم امام وجه طفولي , يبكي لعجوز تجلس وحيدة بالحديقة , ينتحب لفراقك .
أما زال علي أن أبكيك الى الان ؟ و أبكي الايام و الذكرى الجميلة , أم أبكي على الرجال الذين قدموا حبهم فرفضتهم لأني ملعونة بحبك , أم أبكي على اطفال كان يجب ان يكونوا بجانبي و حولي لولا أني رفضت أن أكون أم لأطفال لم تطلق اسمائهم انت , و لم تكن أول من يهنأ أمهم , و لم تكن من ينادونه أبي , اجهل للآن لم علي أن أبكي ؟ لكني رغم ذلك ما زلت أبكي .
الساعة الان الثانية عشرة , اكتب لك دون ان تقرأ , أكتب لك عن يومي كما كنا , حتى أني اكتب لك للآن الغزل و أخبأه في صندوقي فوق الرف , لم تطله عين للآن ذاك الصندوق و ما فيه , حفظته جيدا و احفظ كل كلمة فيه , كرفات ملك من ملوك الارض مات فحفظ الرفات في هرم بلا ستائر و بلا حب .
اليوم كنت بين صديقتي و عشيقها كنت أسمعهم و أتذكر كلماتنا , كدت أن افقد إحدى الدموع لكني سحبتها بآخر رمق , سمعته كيف يترجاها أن تقول له أحبك و هي تدير راسها و تقول : لا , لانك لم تحضر لي الشوكولاتة خاصتي , فيجيب أنها هناك بجيبه , فتقترب لتأخذها ,ثم يفاجأها و يحتضنها . رغم الألم الذي يسكن داخلي ابتسمت شعرت أن ذكرانا لا تنتهي , تنتقل من عاشقين الى عاشقين , كما لو ان الحب على هذه الارض محدود , يخرج من هذه القلوب ليدخل الى غيرها , بعدل و إنصاف , ترى لو حكم الحب أراضينا هل ستعم السلام بها ؟ 
لا بأس على قلبك لا بأس فإني لا انتظر منك الاجابة . أينما كنت ايها الشارد ايها الراحل بلا مأوى لا باس عليك , لعل الجميلات اللواتي هربن من النيل أن يهربن ايضا الى امام عينيك فتحبهن و تعشق اسمائهن , و تداعبهن بالشوكولاتة و كلامك المعسول .
لعل شيء من النعاس يغشيك عندما تذكر رائحتي و صوتي و همسي , تذكر ايها الراحل ان [لعل ] للرجاء و ليست للتمني , لكني ارجوك ان لا تتذكر غير هذا إذا ما سمعت عني .
إني امرأة شرقية طيبة القلب الى حد السذاجة  و اعترف بذلك , ادعو لمن احببت ان يتزوج من اجمل النساء و ينساني , و انا التي وضعت نفسي بقفص و اغلقت الابواب و رفضت أن  تمد  يدا الى نعشي , إني هكذا أعيش على حب رجل واحد أو اموت لا ثاني لهما .

و إني اخترت ان اموت على خيال صدرك , فإسمح لي أن أتخيل أو أن اموت !

لا أشعر بالضيق ابدا , و لم اتمنى الموت حينما تركت يداك يداي , لا ايها الشرقي لم ابكي حينما رأيتك بعد سنين الغربة التي انتظرتك خلالها ان تعود لي , و انت وفيت بعهدك كما الرجال , لكنك عدت و انت تمسك بين ذراعيك زوجتك .
لا لست اشكي , انني فقط اسرد ما يمكن للرجولة ان تفعل بالانتظار , أرأيت حينما رجعت كراسي المطار؟ , كل كرسي منقوش عليه اثار جلوسي  و انا انتظرك في كل يوم منذ غادرت قدمك ارض الوطن , حفظت كل الرحلات , و حفظت قصص العاشقين في المطار , حتى انني حفظت اصابع المتصافحين وداعا و لقائا , و سردت حبك و قصتنا التي نستيها لكل العشاق هناك كما حالتي .
ربما لم تكن سوى لعنة تخلصت منها الان , ربما انت الان رجل بلا مسمى لدي , اغترب مرة اخرى ايها الساذج , لكن هذه المرة لا تعد بها .هاجر و اترك بصماتك خارج حدود ارضي , لأني نصبت شباكي و قررت ان احمي ما بين ضلوعي من السذاجة و المطارات و القهوة .



الكاتبة:
 روح شرقية 

الى امي






أمي اخبريني بحق السماء التي فوقنا ...


هل فعلا الموت ينهي الاشياء؟


اذا همستي بنعم يا أمي ,


فلماذا قلوب المفترقين تموت و هم أحياء ؟

أمي ...


لعلّ الوجع و الألم في عالم الكبار فقط ...


لعلّ عالم الكبار ليس بشيء جميل , ليس مليئ بفساتين و احمر


شفاه .


ليس فقط عروسة بفستان ابيض و الجميع يرقصون لها .

أمي ..


إنسي أني طفلتك و أخبريني كقارئة طالع ..


تقرء فنجاني على شواطئ المتوسط ...


صارحيني يا أمي ...


هل أن أبكي دموعا أمر اعتيادي؟


هل أن اصمت كثيرا بوجه القدر و هو يصفعني أمر اعتيادي؟



أمي ...


ليتني اعود صغيرة تنافس اخواتها لتجدلي شعرها قبلهن ...


ليتني يا امي ..


ارجع ابكي عندما يغضبني أمر ما بصوت عال


دون ان يهمني اين انا و لا من بالمكان ...

أمي إن لك فتاة كبرت .. لم تتجاوز العشرين ..


أرهقها نبضها ...

الأربعاء، 3 أبريل 2013

حب بين الاموات و الاحياء [ قلب منسي 8]




من : كبرياء ميتة يخنقني 

لففت حول اصبعي قطعة من قماش مخضبة بعطرها , و مشيت , لم أحفل بنظرات حفاة القلوب حولي و لم أشأ أن أنظر إليهم كثيرا , كنت أثق بأني لم افعل يوما امرًا سيء ,و لكن هل بدأت فعله الآن ؟
كان بداخلي ندم طفيف يسري كما هبات النسيم في يوم صيفي بحت , كنت أمشي بخطوات واثقة بأقدام مكبلة بسلاسل تدفعني للخلف تارة و الى الأمام تارة اخرى , يأست في لحظة ما من أني قد أصل إليها يوما , و يأست حتى تخلل اليأس في جسدي و أمساني جثة بديدان تقضمها قضم النيران في بيت من خشب .
ويحي انا بحت لها بأدمعي , و يحي أنا سكبت الجمر في روحي و جعلتها تراني , ويحي أنا تركتها على مشارف المدينة و رحلت , هل كل من يرحل مذنب بحق الحب ؟ هل كل من يرحل يأخذ معه شيء من قدسية الحب و العشق ؟
هل غدرت كلماتي و غدرت اسماء أطفالي التي بنيتها بإسم الحب ؟ هل أنا الان بحكم المطلوب للعدالة ؟ .
ايها القاضي دعني ألقن نفسي الشهادة و انا على مشارف الافصاح عن ذنبي , دعني أخبرها لآخر مرة أني احببتها و أحببت أيامي معها و تلك اللقاءات الخفية , ايها القاضي لا تقسى على قلبي كثيرا فإني رفعت يميني و أقسمت , و في قلبي قسم بحب أبدي , فكيف سيكذب عاشق حينما يقسم بحبه ؟ .
رأيتها بطرف عيني و انا خلف القضبان اتوسد الألم و ارجو الرحمة ان تنزل على قلب سجّاني , كانت تبكي بلا دموع و كانت تأن بلا صوت , نظرت لي بلا عينين , اعرفها جيدا فهي الكبرياء الوحيد الذي اعرفه في حياتي , هي المرأة الوحيدة التي تشعرك بالذنب دون ان تعاتبك , تخجل مما صنعت بحقها و تأسف على حالك من بعدها , دون ان تعاتبك .
استيقظت فجأة من حلمي ذاك المزعج و فركت عيني بقسوة كاني فتاة بجديلتين تداعب الزهور فتجرحها الاشواك , نظرت حولي و إذ بي أرى بياض الحيطان مع زرقة السرير كما لو ان الغرفة عبارة عن جسد ميت محنط , و رأيتها بكل سلام نائمة على السرير و إبرة التغذية في يدها , رجع لي الندم الذي قتلني قبل قليل في الحلم , تأسفت على حالي و على حالها .كانت بداخلي رغبة شديدة ان يكون هذا الواقع حلم ايضا كنت اتمنى بقوة ان ينتهي هذا الوقت او  ان نقفز عشرين سنة للامام و اكون انا بها جالس على طرف بيتي و هي بجانبي يكسونا الشيب و تجاعيد الايام و نضحك انا و هي بل و نقهقه على ايام صبانا و حبنا القديم , ثم نحتسي الشاي بكل هدوء و سلام , شعرت بأن ما اتمناه شيء من فراغ شيء صعب المنال بل مستحيل , و هنا عرفت ان للمستحيل معنى في قاموس الحب كنت اجهله قديما .
محبوبتي تلك التي تقطن الان بين جنبات الألم تلك التي غدرتها أرجوحتها و هي تجلس عليها و ترسل لي في حب قبلات مسروقة و تضحك و انا كنت اقف امامها انظر اليها بحب اداعب خصلات شعرها من بعيد و ارسل لها قبلات مسروقة ايضا , فجأة وقعت عن الأرجوحة و كسرت عنقها , و اكتشفنا فيما بعد ان محبوبتي لن تستطيع الحركة بعد اليوم , الكلام هو اقصى ما ستفعله منذ هذه اللحظة 
حاولت ان ازاحم الالم بقلبها من ذاك الخبر , و ان ازرع حبي في قلبها كل يوم كما الذي يشرح هواه لاول مرة , لكن انكسارات قلبها عاندتني و عينيها الذابلتين حنت شيء من ارادتي , حتى الليلة الفائتة حينما فاجأتني همسا بانها لا تريد ان تعيش , وبختها على كلامها , لكنها صرخت عاليا و قالت :
كيف اعيش انا هكذا ؟ انا التي كنت اطلق قدماي في الهواء فأطير , انا التي كنت انام اينما حط راسي و ارتاح , انا التي كنت اعيش الجنون كعبادة يومية , لا تجعلني انسى حياتي القديمة و اموت يوما ما و انا لا اذكر سوى هذه الحيطان و سريري الازرق و عيناك البائستان .
هزت كياني كلماتها , لكني رفضت لست انا الذي يقتل عشيقته حتى لو ارادت ذلك , نمت في ذلك اليوم في غرفتي في بيتي و على سريري , لم استطع ان انام في حضرة ألمها المكبوت , فهربت الى منفاي .
 ليلا و على حين غرة تلقيت اتصالا من المستشفى و اخبروني ان محبوبتي انتحرت حيث القت بنفسها من على السرير فانُتزع انبوب التنفس من حنجرتها , ما هي الا لحظات حتى فاضت روحها الى السماء .
حينما سمعت الخبر نظرت الى السماء بعينان ابلهتان و بفم مفتوح من الصدمة , و صرخت باعلى صوتي [ لااااااااااااااااااااااا] ثم سقطت على الارض ابكي .
رجولتي أمرتني ان لا امشي بجنازتها و ان لا ارى قبرها , كيف اكون هناك ؟ و انا المسمى بعشقيها و انا الحضن الوحيد المحلل لها ان تبات بين جنباته . 
منذ فاجعتي و انا ارى كابوس القاضي و المحكمة و حضورها الكبريائي كل ليلة , و في كل ليلة اصرخ [ انا مظلوم] و في كل ليلة ينتهي الحلم عندما يوضع حول رقبتي حبل الاعدام و اخر ما اراه في حلمي وجهها الساخر من رجولتي و قسمات وجهها التي تعاتبني لاني لم ازرها في قبرها , كيف ازورها و انا الذي اقسمت بحبي الابدي ان لا اسمح لأي احد او لاي شيء ان يحضنها غيري ؟ و ها انا قد غدرت بقسمي دون حيلة مني .


فلترقد روحك بسلام عشيقتي , و لترتاحي بحضنك الجديد حتى انتصر على روحي 
فتنسحب من جسدي فآتيك .



الكاتبة :
روح شرقية