الجمعة، 3 مايو 2013

فتات خارج الأيدي ....[ قلب منسي 12 ]♥♥♥



من : السماء السابعة

منفاي هو حديثي المغترب مع نفسي , ذاك الذي مذ بات الطريق أمامي ليس طريق , بل هو مجرد ممر بين الغرف في بيتي , مذ سكن كل الأرضيين بيتي , و باتوا ينامون في سريري , و ياكلون من مطبخي , و يقلبون القنوات التلفازية على تلفازي , اصبح الكون هو شرفتي , و وجوه البشر مألوفة , أشعر كل يوم أني أمر على نفس الاشخاص و أرى نفس الأيادي تتصافح , اعتدت المألوف حتى خرج المألوف عن معناه في عالمي .
كإمراة في قاعة اوبرا أصرخ , أشجان صوتي و نبرتي الحزينة تجدها بين كل عُربة أنشزها و أخرى , لمست الورقة ,تحسستها أنا التي لا تستعمل الورق إلا لأجمع بها بقايا الأكل من المتنزهين , امسكها الان و أقلب أبجديتها بين يدي بإستهتار مبالغ به ,
و أنا أمرر عيني على كلمات الورقة , تذكرت نفسي تلك الصغيرة في دار اللقطاء حينما أخبرتني صديقتي بالأحرف و تركيب الكلمات ذاك الذي سمعته يوما عندما هربت من الدار بسبب أن سوط المديرة اتعبها , اكهل قلبها , أمست صديقتي لا تخشى من السوط , لا تخشى كباقي الإناث من الندبة التي يخلفها , هي فقط تخشى أن يتشوه جسدها الهزيل و وجهها الذي لا يعترف بالجمال , عندها لن يعرفها والداها إن عادوا مقيدين بحبل الندم . الان عرفت أن صديقتي كانت قبيحة غبية , لا تفهم أن من يضعها بجانب القمامة يساوي بها  منديله الذي بصق به أو منديلها الذي مسحت به ما تبقى من صدأ الليلة الفائتة , هم يتمنون لو أن كلب ما يلتهمها بعيدا عن أعينهم , كي يكملوا عهرهم خلف الأبواب غير مكترثين بنباح كلب أو صريخ طفلة .
من خوفي الذي بدأ يتفاقم بكل لحظة كانت تمر , قطعت الورقة الى قطع صغيرة , صغيرة جدا . رميتها في الهواء كما لو أنني ألوح لمسافر اعلم يقينيا أن باخرته ستغرق , و أنه سيموت و ستكون آخر أنفاسه مقطوعة بالأمل المفقود , و بقايا من ذكرى تدنسها قطرات الماء رويدا , ثم تتركه بسلام يموت بعد ان زجت الخنجر في أعماق قلبه , يا للماء من قاتل مأجور للقدر ! .
لاح الصمت و أطبق على شفتي , صدمت بما تبقى من عقلي , و رحت أمشي كبلهاء في الطريق , قطعت الشارع بدون أن انظر الى وقع قدماي , كادت أن تصدمني سيارة كان بيني و بينها مسلك شعرة فقط , ركضت بسرعة بعد أن توقفت السيارة و خرج صاحبها ليتأكد انه لم يصبني , لكني هربت قبل أن ينطق ببنت شفة , وصلت الى ساحة الحمام , و شعرت حينها بحريتي التي افتقدتها كثيرا قبل لحظات , ذاك الصوت الذي جاء لي زائرا غير مرغوب فيه , أرهق حريتي , و نفاها , لكني الان أعيد الحكم من جديد , و أطالب بإسترجاع ما هو ملكي .
اقشعر بدني حينما لامست أصابع رقيقة فخذتي , نظرت بعيون مرعوبة الى الجمجمة التي تحركها , فإذ بي أقع بين يدي طفلة ذات أربعة أسنان , و شعر أحمر منفوش كذرة تركت بآخر المقلاة حتى احترقت , مدت لي من بين يديها النقيتين [سندويشة ]ملفوفة بورق , تبسمت بوجهها , كنت اتمنى لو انني استطعت ان اقول لها امرا , شعرت بعد ذلك انني قد خلفت طفلة بشعر احمر ستكره الخير لان امراة متسولة عجزت ان تقول لها ثناءا يليق باصابعها .
رحت التهم [ السندويشة ] دون مبالاة بمن حولي , ولا بتفاهة قواعد [ الاتيكيت ] تلك التي تجعلك لا تتلذذ بالطعام , لم يضعها سوى فاقدي الشهية ليجعلوا جميع البشريين بأمعاء خاوية و [ كاريزما ] شبه مثالية .
فجأة شعرت بالصوت يعود من جديد و يردد بنبرة صدى : [ الاجساد لا تموت إلا عندما تسمح للموت أن ياخذها ] نظرت حولي و إذ بي أرى رجلا يلبس ثوبا أحمر دون أي شيء على الثوب , أحمر بنقاوة مخيفة , اقترب مني , لم استطع ان اصرخ , لم استطع ان اركض بعيدا , شعرت بان تنفسي يصارع شيء عاجزة انا عن اللحاق به , وقف الرجل امامي بهيبة و قال بتأنٍ فظيع : [ أنا الوحيد الذي سيمشي بجنازتك إن قامت ] , كلماته أضافت رعبا بنوع آخر الى قلبي عجزت عن الكلام بعده , ثم تابع دون ان ينتظر أن انطق : [ أنا بائس جدا الان , و مستاء لكن ليس عليكي طبعا , على البائع الذي سرقتي قطعة الشوكولاتة منه , على صاحب السيارة الذي سقط مغشي عليه , على الطفلة التي عجزت الان عن النطق , و قبلهم جميعا على صديقتك الذي جعلتها تهرب من الدار و عادت اليه جثة هامدة ] .
افزعتني الكلمات هذه المرة فككت العقدة عن لساني و نطقت : [ لا لا لست أنا .. إنه الصوت .. حتى أنه أوقع الصخرة ... و وضع ورقة على يدي ...  حتى أنني قطعتها و رميتها في الهواء ....و صديقتي هربت من المديرة ... لست أنا السبب ]
قرب وجهه من وجهي و قال بنبرة غاضبة : [ لا صخرة قد وقعت ... و لا فتات في الهواء ... و صديقتك قتلتها غيرتك لا أكثر ]
بدوت مصدومة و أردفت قائلة : [ بلا إنها هناك عند آخر الشارع تستطيع أن تراها من هنا ... ( لففت وجهي الى آخر الشارع فلم اجد شيء, كات حركة طبيعية ... اقدام تتحرك و لا وجود للصخرة ) ... إنتظر إنتظر ... بقيت بضع أوراق في جيبي .. إنها هنا أو هناك ... ( فتشت بجيوبي كلها فلم أجد و لا حتى نيف من ورقة ) ... لااااااا إن هذا جنون .... هناك من يتآمر علي .. لم أفعل شيء ]
اقترب منه ظل في وسط الضباب الذي أنا به .. اكتشفت بعد فترة قصيرة أن هذا الظل فتاة ... و كلما اقترب كانت الملامح تكاد تبان .. و إذ بي اتفاجأ ... إنها صديقتي ...
ركضت إليها أريد إحتضانها .. أريد منها أن تخبره أنني لم أكذب .. لم أفعل شيء بها .. لكن شيء ما دفعني للوراء .
اقتربت مني صديقتي و همست بصوت يكاد لا يذكر : [ سأقتص منك ... أيتها المجنونة .. لقد قتلتني بذاك السحر الذي تمارسينه ]
أردت أن أصرخ .. أن أركض أن ابعدها عني .. ما استطعت ... كان كل شيء واقف حتى الزمن ... تخلل الرعب بداخلي.. علمت أن النهاية باتت أقرب من الوشيكة ... 
اقتربت صديقتي و وضعت قطعة قماش حمراء على فمي ... رويدا أغمضت عيني .. حاولت أن ارفع يدي في آخر رمق ... لكني ما استطعت ...
في اليوم التالي على إحدى الجرائد :
 [ وفاة متسولة في ساحة الحمام ... و الأسباب مجهولة ] 


بقلم :
شذى البشتاوي [ روح شرقية ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق